(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
السراج الوهاج للمعتمر والحاج
47758 مشاهدة
خاتمة في التوبة والإقلاع عن المعاصي

لا شك أن كل عامل يحب الأجر والثواب على عمله، ويهتم بقبوله وعدم ردِّه، ولكن القبول له علامات تظهر على العامل، وأهمها أن يرجع إلى بلده متأثرا بما عمله من أعمال المناسك.
فقد أحرم لربه، وترك مشتهياته، وشاهد المشاعر المقدسة، وساهم مع الطائفين بالبيت وبالصفا والمروة ودعا بالأدعية المأثورة، وأكثر من الذكر والتلبية والتكبير ونحوه، ورأى كثرة الطائفين والقائمين والركَّع السجود، وسمع ابتهالهم وتضرعهم، وشاركهم في البكاء والخشوع والإِخبات، والتذلل لله تعالى، وكل هذه الأعمال إذا كانت خالصة لله تعالى فإِن أثرها يبقى معه مدى حياته، بحيث يشعر بمحبة الطاعة، والتلذذ بالعبادة.
فيرجع إلى أهله وقد تغير عما كان عليه من الإِهمال، والغفلة عن ذكر الله، والتكاسل عن الصلاة، والتخلف عن الجمع والجماعات، وتعاطي المسكرات والدخان والمخدرات، وقد أبغض المعاصي كلها وأهلها ودان لله تعالى بهجر العصاة والمنحرفين، ودعاة الضلال والعلمانيين، ومقت أهل الفحش والخنا، ودعاة العهر والتبرج والاختلاط، وأهل البدع والخرافيين، وأحب أهل الخير والطاعة، والعلم بالله وآياته وشرائعه، وحرص على القرب منهم، والاقتداء بهم، وتقبل نصائحهم وإرشاداتهم، ومجالسة الصالحين، والتخلق بأخلاقهم، وعمارة المجالس بالذكر والفكر والعبادات.

وهذا ونحوه أثر هذه الأعمال التي تقرب بها إلى ربه في حجه وعمرته، وأعماله الصالحة، وذلك لأنها تجره إلى الطاعة، وتبعده عن المعصية، وتحبب إليه أن يتوب إلى ربه توبة نصوحا ، فيأتي بشروطها التي هي: الإقلاع عن الذنوب ، والندم على ما مضى منها ، والعزم على أن لا يعود إلى معصية ، فالذي يعمل هذه المناسك والعبادات وهو مقيم على التهاون بالصلاة أو فعل شيء من المنكرات ، أو تعاطي المسكرات، أو أكل الربا أو غيره من المعاملات المحرمة ، فهذا لم يتأثَّر بما تقرب به من هذه المناسك ، في هذه المشاعر المقدسة.
وكذا من يفتخر بالذنوب والجرائم التي ارتكبها قبل الحج ، ويذكرها في مجالسه، وكأنها من أفضل الطاعات، ويتمدح بما اقترفه من قتل ونهب وسرقة، وزنا وقذف ونحوها، ولا يبالي بذلك ، فمثل هذا ما نفعته هذه الطاعات والأنساك التي فعلها في حجه وعمرته، حيث إِنَّه لا يزال على ما كان عليه من الاعتزاز والفخر بما حرَّمه الله عليه.
وهكذا من يرجع إلى أهله فيباشر ما كان يفعله قبل سفره، فيدعو الأموات، ويتقرب إلى الضرائح ، ويهتف بأسماء الأولياء، ويناديهم في الكربات، ويحلف بغير الله ، أو يترك الصلاة، ويتخلَّف عن جماعاتها، ويمنع حق الله في ماله ونحو ذلك، فإِن هذه الأفعال وما أشبهها قد تركها في المواسم المقدسة، فإذا عاد على ما كان عليه، وباشر الشرك والبدع والمعاصي، فما تأثر بأعماله وقرباته، ويوشك أن ترد عليه حجته وعمرته، وأن يعاقب أشد عقوبة مما كان عليه قبل ذلك، حيث جمع بين الطاعة والمعصية.
وأغلب من يعود إلى المحرمات من هؤلاء الحجاج والزوار من لا يكون حجهم خالصا لله، وإنما فعلوه عادة وتقليدا لأهل بلادهم، أو افتخارا وتمدحا باسم أنه قد أدى الفريضة، وأتم الأركان، وهو لم يفعل ذلك تدينا ومحبة لله، ولا اعترافا بفرضيته، وإنما مجاراة ومحاكاة لأهل الوطن ، وهؤلاء لا تفيدهم أعمالهم إلاَّ التعب والخسران المبين.
فننصح كل حاج ومعتمر وزائر أن يتم في توبته، وأن يستمر في أعماله الصالحة، وأن يكون قدوة حسنة لأهله وإخوانه ، وأصحابه وجيرانه ، فيدعوهم إلى الله تعالى ، ويحسن لهم الإقبال على الطاعة ، والاستكثار منها ، والتقرب إلى الله بأنواع العبادات فرضها ونفلها ، والبعد عن المحرمات والجرائم، وأن يكون من الدعاة المخلصين لربهم وللأمة الإسلامية، يدعون إلى الله بأقوالهم وأفعالهم، رجاء أن ينفعهم الله تعالى وينفع بهم ، ويهدي على يديهم من أراد الله به خيرا من الأمة الإسلامية، وينقذهم بواسطة دعوتهم من براثن الشياطين، وضلال المضلين، والله يهدي إلى سواء السبيل ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.